عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغَتْهُ نملةٌ، فأمر بجهازه فأُخرج من تحتها، ثم أمر ببيتها فأُحرق بالنار، فأوحى الله إليه: فهلا نملةٌ واحدة؟ ) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: (فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح؟ ) .
معاني المفردات:
فأمر بجهازه: الجهاز هو المتاع
فلدغته: أي قرصته
فهلا نملة واحدة: فهل اكتفيت بنملة واحدة
أفي أن قرصتك نملة: أمن أجل نملة واحدة قرصتك
تفاصيل القصة:
(الإصلاح) قضيّةٌ تلتقي فيها الديانات السماويّة كلّها، ومحورٌ تدور حوله مناهجها وشرائعها، فقد جاءت التوجيهات والنصائح تدعو إلى إعمار الكون وتوجيه الطاقات البشريّة نحو البناء لا الهدم، والتشييد لا التخريب، وإن الدعوة إلى المحافظة على صور الحياة وأشكالها، والمناداة برعايتها والاهتمام بها، خير شاهد على ذلك.
وعلى العكس، فإن الفساد والإفساد في الأرض مهما كان نوعه أو بلغ حجمه، فإنه سلوك مرفوض يبغضه الله تعالى وتأباه الفطر السليمة، كما جاء تقريره في قوله تعالى: {والله لا يحب الفساد} (البقرة: 205) .
وتأسيسا لما تقدّم، يعرض لنا النبي – صلى الله عليه وسلّم – في الحديث المتّفق على صحّته، قصّة نبيّ بُعث في الأمم السابقة، جاءه العتاب الإلهيّ حينما أهلك قريةً كاملة من النمل!! .
كان هذا في يومٍ سار فيه ذلك النبيّ الكريم في بعض حاجته حتى أضناه المسير، فنزل تحت شجرةٍ طلباً للراحة وتجديد النشاط، ثم جعل متاعه على مقربة منه.
ويقدّر الله أن يجلس ذلك النبي فوق قريةٍ من قرى النمل، فانطلقت إحداها مدفوعةً بغريزتها لتحمي مملكاتها، فكان أن قرصت النبي قرصةً آلمته.
ويبدو أن تلك القرصة كانت مؤلمة للغاية، إلى حدٍّ جعلت النبيّ يغضب غضباً شديداً، فلم يكتف بقتل تلك النملة جزاءً على أذيّتها، بل أمر بإحراق القرّية كلّها.
ويوحي الله إلى ذلك النبي معاتباً وموبّخا: ألأجل نملةٍ واحدةٍ آذتك في نفسك، تُهلك أمّة كاملة تسبّح الله في غدوّها وعشيّها؟ .
وقفات مع القصّة:
ما أعظم اللمحة التربويّة التي تحملها هذه القصّة، إنها إشراقةٌ أخلاقيّةٌ ترقى بسلوك المؤمن إلى أعلى مستوى يمكن أن تصل إليه، وتفجّر بين جنباته معاني الإحساس بالمسؤوليّة واستشعار المراقبة الذاتيّة؛ ومن تربّى على التحرّز من قتل نملة واحدة بغير حقّ، لا يمكنه أن يفكّر مجرّد تفكير أن يسفك دماً حراماً، أو يأكل أموال الناس بالباطل، أو يعيث في الأرض فساداً وإهلاكاً.
كما أن في الحديث توجيهٌ إلهيٌّ للنبي نحو الأليق بمقام نبوّته والأنسب لمكانته، بأن يتعامل مع الموقف بروح الصبر والمسامحة، بدلاُ من الانتقام للنفس وإهلاك جميع النمل بذنب واحدة، كما ذكر ذلك الإمام القرطبي.
ويبدو من السياق أن التعذيب بالنار كان جائزاً في الأمم السابقة، فإن العتاب لم يقع في أصل القتل أو الإحراق، ولكن في الزيادة على النملة الواحدة، ثم استقرّ الأمر في شريعة الإسلام على حرمة التعذيب بالنار كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (لا يعذب بالنار إلا رب النار) رواه أحمد.
كما ورد النهي عن قتل النمل بخصوصه في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل أربعٍ من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصُرَد – وهو نوعٌ من أنواع الطيور الجارحة - ، رواه أحمد.
في حين جاء الأمر بقتل جملة من الحيوانات المؤذية بطبعها لكثرة ضررها وفسادها، فأمر بقتل الفأرة – وسمّاها فويسقة - ، والعقرب، والغراب، والحدأة – نوعٌ من الطيور - ، والكلب العقور، والوزغ، وغير ذلك مما جاء في السنّة.
وقضية أخيرة يحملها الحديث: وهي أن الكون بجميع مخلوقاته قد دان بالعبوديّة لله وحده وأسلم له طوعاً واختياراً، واعترف بقدره وقهره، وكماله وسلطانه، أفلا يكون ابن آدم الذي ميّزه الله بالعقل والإدراك ما استدلّ به على وجود خالقه ووحدانيّته، أولى بالعبودية وأحرى بالتسبيح والتنزيه؟ .
المصدر: موقع إسلام ويب